سمك أعماق البحار
منذ نحو ثلاثين سنة أنزل إلى عمق البحر بواسطة حزمة أسلاك معدنية مشدودة إلى سفينة وعاء فولاذي ذو نافذة متينة، يدعى جهاز غوص الأعاق، كان في الجهاز عالمان أمیرکیان أرادا أن يدرسا الحياة على عمق كبير من سطح المحيط، كان الناس في بعض الأحيان قد اصطادوا بشباكهم أسماكاً تعيش في أعماق البحار ولكن العلماء وان استطاعوا أن يقوموا بدراسة هذه الأسماك، لم يتمكنوا من معرفة حياتها في موقعها الطبيعي، لم يكن الغطاسون، حتى الذين كانوا مجهزين بأجهزة ملائمة للغطس، قادرين أن يهبطوا إلى أعماق كافية لرؤية الأسماك في أعماق البحار، وبعضها يعيش على عمق لا يقل عن ستة كيلومترات في ظلمة قاتمة ومياه شديدة البرودة، أما جهاز غوص الأعراق هذا فكان يستطيع الهبوط إلى عمق لا يقل عن نحو 800 متر.
ومع هبوط جهاز الغوص، كان العالمان يلحظان أن النور يخف شيئاً فشيئاً وأن المياه تشتد زرقتها أكثر فأكثر إلى أن وجدا أنها صارا في ظلمة تامة، هنا اظهر الضوء الكاشف في جهاز الغوص أسماكاً غريبة تسبح عبر أشعته، كان أكثرها لا يزيد طوله عن بضع سنتمترات، حتى أن الأسماك الكبيرة بينها كان طولها لا يزيد عن متر أو مترین، وكان بعضها فضي اللون، وبعضها الأخر أسود اللون، والقليل منها لا لون له على الإطلاق .
اسماك تعيش في اعماق البحار
ثم أطفأ العالمان ضوء جهاز الغوص، وعلى الفور شاهدا مئات من الأنوار المتراقصة، هنا تحققا أن الأسماك في أعماق البحار تحمل في أجسامها أنوارها الخاصة بها، کالمصابيح الكهربائية، صفوفاً على جانبيها، أو اشکالا معينة ذات ترتيب خاص، كانت لكل نوع من الاسماك أنوارها الخاصة بها، مرتبة ترتيباً خاصاً بها بحيث تستطيع كل سمكة أن تفرق بين الأسماك بواسطة الانوار التي تحملها، وتعرف بذلك الاسماك التي تنتمي إلى فئتها .
وبدون هذه الأنوار لا يمكن للأسماك أن تبقى أفواجاً ولا يمكن للذكور منها أن تعرف الإناث، ولهذه الأسماك في أعاق البحار لها عيون كبيرة جداً بحيث تستطيع أن ترى أضواء رفيقاتها ولو على مسافة بعيدة، لكن بعض الأسماك في أعماق البحار لا نور فيها، أو أن لها عيون صغيرة، كما ان منها ما لا عيون لها على الإطلاق، ونحن لا نعلم كيف تتنقل هذه الأسماك، إلا أن ذلك لا بد ان يكون بواسطة الشم أو اللمس .
لا وجود لغذاء نباتي في هذه الأعراق المظلمة لأن النبات لا تنمو بدون نور، وهكذا فان الطعام قليل نادر يصعب العثور عليه في الظلام، فلا بد للأسماك اذا من أكل الأسماك الميتة التي تغرق من سطح الماء أو من أكل الأسماك الأخرى في المياه العميقة، ولا بد لهذه الأسماك من اقتناص أي غذاء تعثر عليه، ومن الاستفادة منه على أفضل وجه .
ولهذه الأسماك أساليب عدة لتأمين الغذاء، فالحريث الشره الطويل النحيف مثلا، له فم كبير لالتهام ضحاياه، وله أيضا أمعاء مطاطة تمكنه من ابتلاع أي سمكة يلتقطها، ومن هضمها، حتى ولو كانت كبيرة جد، ولبعض هذه الأسماك الكبيرة الأفواه أسنان ابرية طويلة منحنية نحو الداخل، وهي لا تصلح للمضغ ولكنها تمنع الفريسة من التملص والخروج من الفم، ولبعض أسماك البحار العميقة ملامس كالخيوط مدلاة من دقونها، أطول من أجسام الأسماك بضع مرات، فاذا ما لامس قريدس المياه العميقة مثلا أحد هذه الملامس دارت السمكة إليه والتهمته .
أسماك مضيئة في قيعان البحار
من أسماك المياه العميقة ابو الشص المصنر ( ذو الصنارة)، وله أعضاء خاصة مضيئة لالتقاط الغذاء، وتبدو هذه السمكة الغريبة المنظر كأنها كلها فم وعينان ومعدة، وهي تحمل على خياشيمها قضيبا في رأسه ضوء تخفضه حين تجوع أمام فمها الكبير المفتوح لجذب الأسماك الأخرى نحوه، ولما كانت هذه الأسماك المصغرة سوداء تقريبا، فان الاسماك الأخرى لا ترى منها غير الضوء، وعند اقتراب الفريسة التي جذبها النور تحس السمكة المصنرة بذبذبات المياه قبل أن تلمس الفريسة الضوء فعلا، وتنقض هذه السمكة المصغرة عليها وتلتهمها قبل أن تتمكن من الفرار.
ليس على هذه الأسماك أن تؤمن الطعام لها وحسب، ولكن عليها أيضا أن تتجنب خطر اصطيادها، فالأسماك الجرذية الذيل تستخدم الضوء لهذه الغاية، فاذا ما طاردها مطارد اطلقت مادة مضيئة لزجة من غدد موجودة في الأقسام السفلى من أجسامها، فتختلط هذه المادة بالماء وتحدث أمام المطارد سحابة من نور يبهره ويتيح للسمكة الجرذية الذيل مجال الفرار.